فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَتَوكَّلْ}:
قرأ نافعٌ وابنُ عامر بالفاءِ. والباقون بالواوِ. فأمَّا قراءةُ الفاءِ جَعَلَ فيها ما بعد الفاءِ كالجزاءِ لِما قبلها مُتَرَتِّبًا عليه، وقراءةُ الواوِ لمجرَّدِ عَطْفِ جملةٍ على أخرى.
قوله: {الذي يَرَاكَ}:
يجوزُ أنْ يكونَ مرفوعَ المحلِّ خبرًا لمبتدأ محذوفٍ، أو منصوبَه على المدحِ، أو مجرورَهُ على النعتِ أو البدلِ أو البيانِ.
قوله: {وَتَقَلُّبَكَ}:
عطفٌ على مفعول {يَراك} أي: ويرى تَقَلُّبَك. وهذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ جناح بن حبيش بالياء مِنْ تحتُ مضمومةً، وكسر اللامِ ورفعِ الباء جَعَلَه فعلًا، ومضارع قَلَّب بالتشديد، وعَطَفْه على المضارعِ قبلَه، وهو {يراك} أي: الذي يُقَلِّبُك.
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)}.
قوله: {على مَن تَنَزَّلُ} متعلِّقٌ ب {تَنَزَّلُ} بعده. وإنما قُدِّمَ لأنَّ له صدَر الكلامِ، وهو مُعَلِّقٌ لِما قبله مِنْ فعلِ التنبئةِ لأنَّها بمعنى الِعلْمِ. ويجوزُ أَنْ تكونَ هنا متعديةً لاثنين فتسدَّ الجملةُ المشتملةُ على الاستفهام مَسَدَّ الثاني؛ لأن الأولَ ضميرُ المخاطبين، وأَنْ تكونَ متعدِّيةً لثلاثة فتسدَّ مَسَدَّ اثنين. وقرأ البزي {على مَنْ تَّنَزَّلُ} بتشديد التاء {مِنْ تنزَّل} في الموضعين، والأصل تَتَنَزَّلُ بتاءَيْن، فأدغم. والإِدغامُ في الثاني سَهْلٌ لتحرُّكِ ما قبل المُدْغَمِ، وفي الأول صعوبةٌ لسكونِ ما قبلَه، وهو نونُ {مَنْ} وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في البقرة عند قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث} [البقرة: 267].
{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)}.
قوله: {يُلْقُونَ}: يجوزُ أَنْ يعودَ الضميرُ على {الشياطين}، فيجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ مِنْ {يُلْقُون} حالًا، وأَنْ تكونَ مستأنفةً. ومعنى إلقائِهم السمعَ: إنصاتُهم إلى الملأ الأعلى لِيَسْتَرِقُّوا شيئًا، أو يُلْقُوْن الشيءَ المسموعَ إلى الكهنةِ. ويجوزُ أَنْ يعودَ على {كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} من حيثُ إنَّه جَمْعٌ في المعنى. فتكونُ الجملة: إمَّا مستأنفةً، وإمَّا صفةً ل {كلِّ أَفَّاكٍ} ومعنى الإِلقاء ما تقدَّم.
وقال الشيخ حالَ عَوْدِ الضميرِ على {الشياطين} وبعدما ذكر المعنيين المتقدِّمين في إلقاءِ السَّمْعِ قال: فعلى معنى الإِنْصاتِ يكونُ {يُلْقُون} استئنافَ إخبار، وعلى إلقاءِ المسموع إلى الكَهَنَةِ يُحْتَمَلُ الاستئنافُ، واحْتُمِلَ الحالُ من {الشياطين} أي: تَنَزَّل على كلِّ أَفَّاكٍ أثيمٍ مُلْقِِيْنَ ما سَمِعُوا. انتهى وفي تخصيصه الاستئنافَ بالمعنى الأولِ، وتجويزِه الوجهين في المعنى الثاني نظرٌ؛ لأنَّ جوازَ الوجهين جارٍ في المعنَيَيْن فيُحتاج في ذلك إلى دليلٍ.
{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)}.
قوله: {يَتَّبِعُهُمُ}: قد تقدَّمَ أن نافعًا يقرأ بتخفيف التاء ساكنة وفتح الباء في سورة الأعراف عند قولِه: {لاَ يَتَّبِعُوكم} [الأعراف: 193] والفرقُ بين المخفَّفِ والمثقَّلِ، فَلْيُنْظَرْ ثَمَّة. وسكَّن الحسنُ العينَ، ورُوِيَتْ عن أبى عمروٍ، وليسَتْ ببعيدةِ عنه ك {يَنْصُرْكم} [آل عمران: 160] وبابِه. وروى هارونُ عن بعضِهم نصبَ العينِ وهي غلط. والقولُ بأنَّ الفتحةَ للإِتباعِ خطأٌ.
والعامَّةُ على رَفْعِ {الشعُراءُ} بالابتداءِ. والجملةُ بعدَه الخبرُ. وقرأ عيسى بالنصبِ على الاشتغال.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)}.
قوله: {يَهِيمُونَ}: يجوزُ أنْ تكون هذه الجملةُ خبرَ أنَّ. وهذا هو الظاهرُ؛ لأنَّه مَحَطُّ الفائدةِ. و{في كل وادٍ} متعلقٌ به. ويجوزُ أَنْ يكونَ {في كل وادٍ} هو الخبرَ، و{يهيمون} حالٌ من الضميرِ في الخبر. والعاملُ ما تَعَلَّق به هذا الخبرُ أو نفسُ الجارِّ، كما تقدَّم في نظيرِه غيرَ مرة. ويجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ خبرًا بعد خبرٍ عند مَنْ يرى تعدُّدَ الخبرَ مطلقًا وهذا من بابِ الاستعارةِ البليغةِ والتمثيلِ الرائعِ، شبَّه جَوَلانَهم في أفانينِ القولِ وطرائقِ المدحِ والذمِّ والتشبيهِ وأنواعِ الشعرِ بِهَيْمِ الهائمِ في كلِّ وادٍ وطريقٍ.
والهائِمُ: الذي يَخْبِط في سَيْرِه ولا يَقْصِدُ موضعًا معيَّنًا. هام على وجهه: أي ذَهَبَ. والهائِمُ: العاشِقُ من ذلك. والهيمانُ: العَطْشانُ. الهُيام: داءُ يأخذُ الإِبلَ من العطشِ. وجمل أَهْيَمُ، وناقةٌ هَيْماءُ. والجمع فيهما: هِيم. قال تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم} [الواقعة: 55]. والهَيام من الرَّمْلِ: اليابسُ كأنهم تَخَيَّلُوا فيه معنى العطشِ.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}.
قوله: {أَيَّ مُنقَلَبٍ}: منصوبٌ على المصدرِ. والناصبُ له {يَنْقَلِبُون} وقُدِّمَ لتضمُّنِهِ معنى الاستفهامِ. وهو مُعَلِّق ل {سَيَعْلَمُ} سادًَّا مَسَدَّ مفعولَيْها. وقال أبو البقاء: أيَّ مُنْقَلبٍ صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ أَيْ: يَنْقلبون انقلابًا أيَّ مُنْقَلَبٍ. ولا يعملُ فيه {سَيَعْلم} لأنَّ الاستفهامَ لا يعمل فيه ما قبله. وهذا الذي قاله مردودٌ: بأنَّ أَيًَّا الواقعةَ صفةً لا تكونُ استفهاميةً وكذلك الاستفهاميةُ لا تكونُ صفةً لشيء، بل هما قِسْمان، كلٌّ منهما قِسْمٌ برأسِه. و{أيّ} تنقسمُ إلى أقسامٍ كثيرةٍ وهي: الشرطيةُ، والاستفهاميةُ، والموصولةُ، والصفةُ والموصوفةُ عند الأخفش خاصة، والمناداةُ نحو: يا أيُّهذا، والمُوْصِلَةُ لنداءِ ما فيه أل نحو: يا أيُّها الرجلُ، عند غير الأخفش. والأخفشُ يجعلُها في النداءِ موصولةً. وقد أَتْقَنْتُ ذلك في شرح التسهيل.
وقرأ ابن عباس والحسن {أي مُنْفَلَتٍ يَنْفَلِتُون} بالفاءِ والتاءِ من فوقُ. من الانفلاتِ، ومعناها واضحٌ. والله أعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)}.
انْقَطِعْ إلينا، واعتصِمْ بِنا، وتوسَّل إلينا بِنا، وكن على الدوام بنا، فإذا قُلْتَ فَقُلْ بنا، وإذا صُلْتَ فَصُلْ بنا، واشهد بقلبك- وهو في قبضتنا- تتحققْ بأنك بنا ولنا.
توّكلْ على {الْعَزِيزُ} تَجِدْ العِزّةَ بتوكلك عليه في الدارين، فإِنّ العزيز مَنْ وثق بالعزيز.
{الرَّحِيمُ} الذي يقرِّبُ مَنْ تَقَرَّبَ إليه، ويُجْزِلُ البِرَّ لِمَنْ تَوسَّل به إليه.
{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)}.
اقتطعه بهذه الآية عن شهود الخَلْق، فإِنّ مَنْ عَلِمَ أنه بمشهدٍ من الحقِّ رَاعَى دقائقَ أحواله، وخفايا اموره مع الحقِّ.
{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)}.
هَوَّنَ عليه معاناةَ مشاقِّ العبادة بإخباره برؤيته. ولا مشقّةَ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنّه بمرأىً من مولاه، وإنّ حَمْلَ الجبالِ الرواسي على شَفْرِ جَفْنِ العينِ لَيَهونُ عند مَنْ يشاهد رَبّه.
ويقال: {وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} بين أصحابك، فهم نجومٌ وأنت بينهم بَدْرٌ، أو هم بدورٌ وأنت بينهم شَمْسٌ، أو هم شموسٌ وأنت بينهم شمس الشموس.
ويقال: تقلبك في أصلابِ آبائك من المسلمين الذين عرفوا اللَّهَ، فسجدوا له دوْن مَنْ لم يعرفوه.
{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}.
{السَّمِيعُ} لأنين المحبين، {الْعَلِيمُ} بحنين العارفين.
{السَّمِيعُ} لأنين المُذْنبين، {الْعَلِيمُ} بأحوال المطيعين.
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)}.
بيَّن أن الشياطين تتنزَّلُ على الكفار والكهنة فتوحي إليهم بوساوسهم الباطلة.
{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)}.
لمَّا ذَكَرَ الوحيَ وما يأتي به الملائكةُ من قِبَلِ الله ذكر ما يوسوس به الشياطينُ إلى أوليائه، وألَحْقَ بهم الشعراءَ الذين في الباطل يهيمون، وفي أعراض الناس يقعون، وفي التشبيهات- عن حدِّ الاستقامة- يخرجون، ويَعِدُون من أنفسهم بما لا يُوفُون، وسبيلَ الكذبِ يسلكون.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}.
{إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ الله كَثِيرًا وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ}.
فيكون شِعْرُه خاليًا من هذه الوجوه المعلولة المذمومة، وهذا كما قيل: الشعرُ كلامُ إنسان؛ فحسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه.
قوله جلّ ذكره {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.
سيعلم الذين ظلموا سوءَ ما عملوا، ويندمون على ما أسلفوا، ويصدقون بما كَذَّبوا. اهـ.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: {ولو نزلناه على بعض الأعجميين} فيه إظهار القدرة من وجهين: الأول جعل الأعجمي بحيث يقرا العربي عليهم كقول القائل: أمسيت كرديًا واصبحت عربيًا. والثاني أن أهل الإنكار لا يصيرون أهل الإقرار ولو أتاهم مثل هذا الإعجاز البين، وذلك لأن الله كذلك يسلكه في قلوبهم فيأتيهم عذاب البعد والطرد في الدنيا {بغتة وهم لا يشعرون} لأنهم نيام فإذا ماتوا انتبهوا فيقولون هل نحن منظرون. {وما ينبغي لهم وما يستطيعون} لأنهم خلقوا من النار والقرآن نور قديم فلا يكون للنار المخلوقة قوة حمل النور القديم، ولهذا تستغيث النار من نور المؤمن وتقول: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي. {فتكون من المعذبين} لأن كل من طلب مع الله شيئًا آخر حتى الجنة فله عذاب البعد والحرمان من الله. {وأنذر عشيرتك} فيه أن النسب نسب النفوس فإن أكل المرء يشبعه ولا يشبع ولده. إلا إذا أكل الطعام كما أكل والده وهذا معنى المتابعة. {إني بريء مما تعملون} لم يقل إني بريء منكم لأن المراد لا تبرأ منهم وقل لهم قولًا جميلًا بالنصح والموعظة الحسنة حتى يرجعوا ببركة دعوتك إلى القول الحق، أو ينالوا الجنة بواسطة شفاعتك. {وتقلبك في الساجدين} بأن خلق روح كل ساجد من روحك. {إنه هو السميع} في الأزل مقالتك «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» لأن أرواحهم خلقت من روحك {العليم} باستحقاقك لهذه الكرامة الله تعالى حسبي. اهـ.

.قال الألوسي:

ومما قيل في بعض الآيات من باب الإشارة:
{طسم} [الشعراء: 1] قال الجنيد: الطاء طرب التائبين في ميدان الرحمة.
والسين سرور العارفين في ميدان الوصلة.
والميم مقام المحبين في ميدان القربة، وقيل: الطاء طهارة القدم من الحدثان والسين سناء صفاته تعالى التي تكشف في مرايا البرهان.
والميم مجده سبحانه الذي ظهر بوصف البهاء في قلوب أهل العرفان.
وقيل: الطاء طهارة قلب نبيه صلى الله عليه وسلم عن تعلقات الكونين.
والسين سيادته صلى الله عليه وسلم على الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.
والميم مشاهدته عليه الصلاة والسلام جمال رب العالمين، وقيل: الطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل غير ذلك {لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] الخ فيه إشارة إلى كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وأن الحرص على إيمان الكافر لا يمنع سوابق الحكم {وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى أَنِ ائت القوم الظالمين قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} [الشعراء: 10، 11]. إلى آخر القصة فيه إشارة إلى حسن التعاضد في المصالح الدينية والتلطف بالضال في إلزامه بالحجج القطعية وأنه لا ينبغي عدم الاحتفال بمن ربيته صغيرًا ثم رأيته وقد منحه الله تعالى ما منحه من فضله كبيرًا، وقال بعضهم: إن فيه إشارة إلى ما في الأنفس وجعل موسى إشارة إلى موسى القلب وفرعون إشارة إلى فرعون النفس وقومه إشارة إلى الصفات النفسانية وبني إسرائيل إشارة إلى الصفات الروحانية والفعلة إشارة إلى قتل قبطي الشهوة والعصا إشارة إلى عصا الذكر أعني لا إله إلا الله واليد إشارة إلى يد القدرة وكونها بيضاء إشارة إلى كونها مؤيدة بالتأييد الإلهي والناظرين إشارة إلى أرباب الكشف الذين ينظرون بنور الله تعالى والسحرة إشارة إلى الأوصاف البشرية والأخلاق الردية والناس إشارة إلى الصفات الناسوتية والأجر إشارة إلى الحظوظ الحيوانية والحبال إشارة إلى حبال الحيل والعصي إشارة إلى عصي التمويهات والمخيلات والمدائن إشارة إلى أطوار النفس وهكذا وعلى هذا الطريق سلكوا في الإشارة في سائر القصص فجعلوا إبراهيم إشارة إلى القلب وأباه وقومه إشارة إلى الروح وما يتولد منها والأصنام إشارة إلى ما يلائم الطباع من العلويات والسفليات وهكذا مما لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وللشيخ الأكبر قدس سره في هذه القصص كلام عجيب من أراده فليطلبه في كتبه وهو قدس سره ممن ذهب إلى أن خطيئة إبراهيم عليه السلام التي أرادها بقوله: {والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين} [الشعراء: 82] كانت إضافة المرض إلى نفسه في قوله: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] وقد ذكر قدس سره إنه اجتمع مع إبراهيم عليه السلام فسأله عن مراده بها فأجابه بما ذكر.
وقال في باب أسرار الزكاة من الفتوحات إن قول الرسول {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين} [الشعراء: 109] لا يقدح في كمال عبوديته فإن قوله ذلك لأن يعلم أن كل عمل خالص يطلب الأجر بذاته وذلك لا يخرج العبد عن أوصاف العبودية فإن العبد في صورة الأجير وليس بأجير حقيقة إذ لا يستأجر السيد عبده بل يستأجر الأجنبي وإنما العمل نفسه يقتضي الأجرة وهو لا يأخذها وإنما يأخذها العامل وهو العبد فهو قابض الأجرة من الله تعالى فأشبه الأجير في قبض الأجرة وخالفه بالاستئجار. اهـ.
وحقق أيضًا ذلك في الباب السادس عشر والثلاثمائة من الفتوحات، وذكر في الباب السابع عشر والأربعمائة منها أن أجر كل نبي يكون على قدر ما ناله من المشقة الحاصلة له من المخالفين {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 210 212] فيه إشارة إلى أنه ليس للشيطان قوة حمل القرآن لأنه خلق من نار وليس لها قوة حمل النور ألا ترى أن نار الجحيم كيف تستغيث عند مرور المؤمن عليها وتقول: جزء يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي ولنحو ذلك ليس له قوة على سمعه، وهذا بالنسبة إلى أول مراتب ظهوره فلا يرد أنه يلزم على ما ذكر أن الشياطين لا يسمعون آيات القرآن إذا تلوناها ولا يحفظونها وليس كذلك نعم ذكر أنهم لا يقدرون أن يسمعوا آية الكرسي وآخر البقرة وذلك لخاصية فيهما {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} [الشعراء: 214] فيه إشارة إلى أن النسب إذا لم ينضم إليه الإيمان لا ينفع شيئًا، ولما كان حجاب القرابة كثيفًا أمر صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته الأقربين {واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الشعراء: 215] هم أهل النسب المعنوي الذي هو أقرب من النسب الصوري كما أشار إليه ابن الفارض قدس سره بقوله:
نسب أقرب في شرع الهوى ** بيننا من نسب من أبوي

وأنا أحمد الله تعالى كما هو أهله على أن جعلني من الفائزين بالنسبين حيث وهب لي الإيمان وجعلني من ذرية سيد الكونين صلى الله عليه وسلم فها أنا من جهة أم أبي من ذرية الحسن ومن جهة أبي من ولد الحسين رضي الله تعالى عنهما.
نسب كأن عليه من شمس الضحى ** نورًا ومن فلق الصباح عمودًا

والله عز وجل هو ولي الإحسان المتفضل بصنوف النعم على نوع الإنسان والصلاة والسلام على سيد العالمين وآله وصحبه أجمعين. اهـ.